كيف اتمسك بالقران الكريم؟
﴿إن هذا القران يهدي للتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً﴾1.
أ- في كنف الآية:إن كلمة (أقوم) صيغة تفضيل بمعنى الأكثر ثباتاً واستقامة واعتدالاً فالقران الكريم كذلك من جميع الجوانب أي في كل الوجود والحياة وكافة القضايا، لذلك هو من أعظم النعم على البشرية التي لو قضى الإنسان عمره كاملاً في سجدة واحدة ما أمكنه أن يؤدي حق هذه العطية الإلهية الخالدة، وهو الميزان الذي على وفاقه البشرى والجنة وعلى شقاقه الخسران والنار.
ب- عظمة القران الكريم:إن القران هو الثقل الأكبر الذي أُمرنا بالتمسك به والسير على هديه يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إني قد تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وأحدهما أكبر من الاخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي"2وهو منار الحكمة وربيع القلوب وحبل اللَّه المتين ومنهج التعاليم الإلهية التي تصنع الإنسان
وتربّيه يقول أمير المؤمنين عليه السلام في صفة القرآن: "جعله اللَّه ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاج لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة"3 فإذا عرفنا عظمته وحقيقته وجب علينا تعظيمه وإجلاله واحترامه لأنه كلام الخالق العظيم، لا أن نعلّقه على جدار أو نضعه زينة في خزانة التحف، وقد غطّى الغبار دفتيه. بل إن نرتّله مع فهمنا لآياته وعملنا بمضمونه، ونصغي اذاننا له بكل شوق ولهفة. بما يجسّد العلاقة الوثيقة به والرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة، وبالخصوص في الفتن والمحن فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقران"4.
والرجوع إلى القران يكون عبر العلماء المنتهلين من منبع الثقل الاخر أهل بيت العصمة عليهم السلام ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إياك أن تفسِّر القران برأيك حتى تفقهه عن العلماء"5.
ج- العمل بالقرآن: إن المرء قد يحترم بعض الناس كأبيه غير أنه يخالفه ولا يعمل بإرشاداته وما ذلك إلا لأن نفسه وهواه يأمرانه ويقودانه إلى مخالفته وهذا في واقع الأمر ليس احتراماً حقيقياً ولا تقديراً صادقاً وإنما الاحترام والإجلال الحقيقيان هما حين العمل بإرشادات الأب وإطاعته لا الاستهانة بأمره وهكذا بالنسبة إلى القران الكريم، فإن كما هو مطلوب من المسلم أن يقدّسه مطلوب منه أيضاً أن يكون عمله وحياته وسائر شؤونه خير أدلة وأمثلة لهذا الاحترام ولا يدعه وراء ظهره حين الابتلاء بمغريات الدنيا أو رغبات النفس الأمّارة بالسوء وإلا مع عدم العمل بتعاليم القران واتباعه لا يتحقق التعظيم والاحترام ولا يصدق التمسك به وحينما لا يكون المسلم متمسكاً به سيضل الطريق القويم إذ الواضح من حديث الثقلين أنه لا يمكن الأمن من الضلال إلا بالتمسك بالقران وأهل البيت عليهم السلام لا التخلي عنهما ولا الانفراد بأحدهما دون الاخر، فترك العمل بالقران معناه الضلال والانحراف عن الخط الذي أرادنا اللَّه تعالى أن نكون عليه.
د- اداب القرآن:
1- تعلّمه وتعليمه: عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "خياركم من تعلم القران وعلّمه 6إن هذا القران مأدبة اللَّه فتعلّموا مأدبته ما استطعتم"7.
2- تعظيمه واحترامه:عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "القران أفضل من كل شيء دون اللَّه فمن وقّر القران فقد وقّر اللَّه. ومن لم يوقّر القران فقد استخف بحرمة اللَّه"8 لذلك حرم تنجيسه واستحب جعل مكان خاص له يوضع فيه.
3- تدبّره والاستفادة منه:يقول تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾9.
وفي الحديث: "أصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص كتاب اللَّه"10.
لذلك من الأفضل في التلاوة أن تكون بالشكل الأمثل وهو الذي يقترن مع التدبّر والتفكّر ويستتبع التأثر والتفاعل مع معاني الايات في وعدها ووعيدها كما عن أمير المؤمنين عليه السلام واصفاً المتقين: "وإذا مروا باية فيها تخويف اصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم، فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول أذانهم وإذا مروا باية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلعت أنفسهم إليها شوقاً، وظنوا أنها نصب أعينهم"11.
4- الطهارة عند تلاوته (أن يكون على وضوء).
5- عدم مس كلمات القرآن إلا بعد الوضوء وهو من الشروط اللازمة.
6- استقبال القبلة عند القراءة.
7- ابتداء السور القرآنية بقول:﴿أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم﴾ أو ﴿أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم﴾ ثم البسملة.
8- أن تكون القراءة ترتيلاً كما ورد الأمر بذلك في القران: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾12.
9- أن تكون القراءة في المصحف لا في غيره مما اشتمل على بعض الايات ككتب الأدعية التي يطبع عادة جزء من القران الكريم في أولها أو القراءة غيباً وظاهراً.عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "القراءة في المصحف أفضل من القراءة ظاهراً"13.
وعن الصادق عليه السلام: "النظر في المصحف عبادة"14.